الرحيل نحو الصفر
-1-
غَيْمَةٌ راحتْ تَجُرُّ الريحَ
ما للوقتِ يقتاتُ الحصى
أينَ طريقُ القلبِ
هل ضَيَّعْتَ أشياءَكَ
مَهْلاً
هذه النجمةُ كانت
بين كَفَّيْكَ
فَفَرَّتْ
واستَقَرَّتْ في الفضاءْ
ذلك الدربُ الذي يعبرُ خَصْرَ الكونِ
محفوراً
كجرحٍ أبديٍّ
كان يوماً مسربَ الأحلامِ
من شبّاكِكَ المعتمِ
نحو الأفقِ المفضي إلى مملكة السحرِ
وينبوعِ الضياءْ
-2-
لا تَسَلْ كيفَ توارى
في ضَبابِ الوَجْدِ
واْنسابَ على أجنحةِ التهويمِ
مفتوناً
بأصداءٍ بلا صوتٍ
ومأخوذاً
بتلويحِ ظلالٍ دونَ جسمٍ
تَتَهادى وحدَها
في ملكوتٍ
دونَ أرضٍ أو سماءْ
نَغْمَةٌ
طَيَّرَها الغيبُ إليهِ
أَنْشَبَتْ أسرارَها في روحِهِ
فاْرتَاعَ
حتّى غابَ في دَوّامَةِ الحَالِ
وشَدَّتْهُ هُنيهَاتُ اْنتشاءٍ
نحو بَوّابةِ رؤيا
أَذْهَلَتْهُ بانكشافَاتِ البَهَاءْ
-3-
ليسَ حزناً مايعانيهِ
فما للحزنِ من دربٍ
إليهِ
ليسَ دمعاً ما غَشَى عينيهِ
حينَ اْندَغَمَتْ
في بعضها الأشكالُ
واْنساحَتْ
فما من طَلَلٍ يبكي عليهِ
ليسَ عشقاً
ليس تفريجاً لغصّاتِ الجوى
فالحبُّ دوماً
كان إبريقاً من البهجةِ مملوءاً
لديهِ
-4-
ليسَ يأساً
أو نَدَمْ
ليسَ شَكوى من أَلَمْ
ليسَ غوصاً في خِضَمِّ البحثِ
عن معنى وجودٍ
أو عَدَمْ
ليس لا
ماذا إذَنْ
لا
لا تَسَلْهُ
هو لا يعرفُ ماذا حَلَّ فيهِ
-5-
كانَ مبهوراً
فلم يُدرِكْ تفاصيلَ الطريقْ
دَخَلَ المشهدَ
فانحَلَّتْ كثافاتُ خلاياهُ
وراحَ الجوهرُ المكنونُ فيها
يَتلَظَّى
في أَتونٍ
من عَقيقْ
غَمَرَتْهُ غبطةُ العودةِ
نحو الأصلِ
حتّى ذابَ في الأشياءِ
والأشياءُ راحَتْ تتلاشى
في سَديمٍ هائمٍ
بين اْلتماعاتِ البروقْ
-6-
لم يَعُدْ في الكونِ شيءٌ
غيرُ أمواجِ أثيرٍ
تتجلّى
في اْرتعاشاتِ النَغَمْ
وتوارى كلُّ ما كانَ من الأعدادِ
إلا مُفْرَدٌ
لا يقبلُ القسمةَ والجمعَ
ولا أسَّ لَهُ
لم يبتدئْ في زمنٍ
لا ينتهي في زَمَنٍ
منهُ الذي يأتي
وما سَوفَ
ومنهُ
ما أتى منذُ القِدَمْ
-7-
دَخَلَتْ في ضدّها الأشياءُ
مَنْ ذا يعرفُ الضدَّ
إذا غابَ المسمّى
خرجت من ليلها الأحلامُ
واسْتَلْقَتْ
على مصطبةِ الفجرِ المدمّى
عادتِ الرؤيا
إلى مكمنها السريِّ
تجلو جسمها الواهنَ
في نبعِ النبوءاتِ
وتمحو
ما اعتراها من فِصَامْ
تفتحُ الأبوابَ
كي ينطلقَ الحبُّ
إلى أعلى الذرا
تحضنُ نزفَ الشوقِ
كي ينبثقَ الوردُ
ويخضرَّ الكلامْ
-8-
انتَشَرَتْ في المادّةِ الروحُ
وصارتْ للأحاسيسِ جسومٌ
وكيانٌ حاضرٌ
في اللامكانْ
صَعَدَ الأسفلُ للأعلى
اْضمَحَلَّ الإرتفاعُ
امتَزَجَتْ في قطرةٍ واحدةٍ
كلُّ الجهاتِ
انصَهَرَ الأمسُ بنارِ الغدِ
والإثنانِ صارا
من نسيج (الآن)
واْنهَدَّ الزمانْ
-9-
هل هي العودةُ نحو الصفرِ
لا
بل ربّما كانت رحيلاً
نحو أقصى نقطةٍ
تسعى إليها الكائناتْ
هي شيءٌ يشبه الموتَ إذَنْ
لا
إنّها لبُّ الحياةْ
-10-
غَيْمَةٌ كانت تَجُرُّ الريحَ
عادَ الوقتُ يقتات الحصى
أينَ تَرَكتَ القلبَ
هل ضَيَّعْتَ أشياءَكَ
ما الجدوى إذَنْ
لا
لا تَسَلْهُ
ربّما يستيقظُ الآنَ