-
... وأودّعُ الصّحراءَ،
متّجهاً إلى الشطآنِ،
فالشمس استعادت لونها الناريّ،
أذكر أنني،
خبّأتها يوماً بلبّ الليلِ،
أذكر أنّني واجهتها بحقيقةِ المشوارِ،
في وضح النّهارْ
أعدو..
وتسبقني المسافة
والطريق طويلةٌ
والبحر يخفي ماءهُ..
خلف الجبالْ.
وأشمُّ منْ خلف السّتارِ،
ملوحة الأيّامِ
والأوقات رَطّبها النّدى،
وكأنّني /والريح تصرخ/
/والسماء كئيبة/
ضيّعت خارطة الطّريق
وربّما الأمطارُ
أتلفتِ الزروع،
وغيّرتْ /بهجومها المجنون/
شكل الأرجوانِ،
وأفسدتْ ما نظمتهُ الأرضُ،
والحّراسُ،
يقتلعون أعمدة الرّخامْ.
واللّيل لا يخفي الحقيقة
خلف أسوار الظلامِ،
فللنهار الشّمس
والإشراقُ
والفجر النديّ،
كأنّ مزرعة الشّموع،
تزفّ أغنية الصّباح،
وللصباح رسالة الأملِ الكبير،
وللعصافير استراحات المدى.
وأريد أن أتسلّقَ الجدران،
فاللّون الرّماديَ العقيمُ
أضاف للجسْدِ النحيل العُقْمَ،
والرّجل المكلّس،
يحتمي بمدينة الأحلام،
والأسوار عرّاها الخريف،
فلا تمدّنَ السّؤالْ
ولربّما انتعلتْكَ أقدام الشّظايا
لا بديل الآن،
لا تسألْ عن الأسباب
فالثوار قد ركبوا الكآبة
والغزاة يسحّلون على الشّريط
يمارسون الرّعبَ،
في زمن التصحّر،
والمياه تفور في بطن الخليفة،
والدموع تجفّ منْ مقل النسّاء
تجفّ من عيّن السّماءْ
ولابديل لفرحةٍ،
تمتصّها شفة السّؤالْ.
وأريد أن ألقى الجدار بلونه الأصليّ
أمحو كلّ ما كتبوا على صفحاته..
أحميه منْ زيف الشعاراتِ المليئة،
بالعواطف والعظاتْ،
-2-
ارداك حبّ الأرض،
والوطن المكهرب،
والطّريق،
البعدُ،
يرفسُ،
والدّواليب استعادتْ سيرها،
والزحف بارقة التأمّل،
والسّماء شديدة الدّوران،
والأشواق أغنية العصافير،
التي رحلتْ إلى المدن البعيدةِ،
تحتمي بمدينةِ الصفصافِ،
شتّتها صهيل الرّيح،
راحلة المدى
وملاحم التبديل؛
يأسرها الضّياعْ.
-3-
أتقمَص القدسَ الجريحهَ،
والدّماء تنزّ من جبل /المكبّر/
والشّهيد بجوفَه...
مازال حيّاً
يُمسك المصباح في يده..
ويخفي تحت أجنحة اليد الأخرى
دماء الانتحارْ
وهُرعْتُ حين اهتزّتِ الأرض،
وكانَ الصّوت كالزلزالِ،
يخرج منْ شقوق ترابِها،
اللّه أكَبر،
صِحْتُ:
هل عرفَ الشّهيد،
بأنّنا بعْنا دروع الحربِ؟!
أمْ إنَّ الشهيد،
قد انتهتْ أحلامُهُ..
وأراد أثمان الدّماءْ.؟!
-4-
يا للفجيعة!
إنّني قد أرتديك،
وأخلع الأيّام عنْ جسدي،
وأرتشفُ اللظى،
لتغورَ أعصابي ببطنِ الأرضِ،
والنقّار يحفرُ جبهتي،
يمتصُّ منها الكبرياءْ
-5-
سُحُبُ الهواجس،
في سماء حقيقيتي،
وقوافل الشّهداءِ،
والصّبحُ المغبّر بالظلامْ
أسوار مملكة الظّنون تُحيطني،
والقادمونُ مِنَ البعيدِ،
يقسّمون الفجرَ
ينسحبُ الطريقُ،
يتابعُ الحراسُ تقسيم المسافةِ،
والدّروب تضيع في الصّحراء،
والوّقتُ ارتدى فصلَ الجْليدْ.
-6-
الرّابضون على جبالِ الرّعب،
ينتشلونُ أشلاء الضّحايا
مِنْ تفاصيل التّراب،
ومِنْ ظلامِ اللّيلِ
مِنْ صَمْتِ البلادْ.
نسجوا قناع الوَجْهِ،
مِنْ وجهِ الدُّجى،
وملابسَ التغييرِ،
مِنْ نَوْح العبادْ.
-7-
قل للشهيد:
/إذا أردتَ العيش بين ربوعنا/
غُضَّ البصرْ
/وإذا رغبت النّوم تحت سمائنا/
صُبَّ الرّصاص بأذنك الوسطى؛
فإنّ الأذن تزني.
ربّما الجلاّد لا يرضيهِ حكم الجلدِ،
فالرجم البديلُ إذا تجاوزْتَ حدود الأمْرِ،
أو أمعنْتَ في لفت النّظرْ.
ماذا أقول لعصبة الشّهداء
/إن شقّوا الترابَ/
وأحضروا صور المعاركِ،
والدماء تنزّ مِنْ أجسادهمْ؟!
أأقولُ:
قد فضّ الزّناةُ بكارة الأنثى،
وصار الطهّر، راحلة المساءْ؟؟!
أم أنّ أعلام الكتائب،
غيّرت ألوانها،
وتقمّصَتْ ثوبَ الدّهاءْ؟!
-8-
سأودّع الشّطآن،
متّجهاً إلى الصّحراء،
متّكئاً على أضلاع مَنْ جرفتهُمْ الأحلامُ،
والشّمس المضيئة،
ربّما تحنو على جسدي،
وتمنحُهْ النّقاءْ.
وأودّع الشهداء، حيثُ تجمّعوا،
وأخيط مِنْ جنح الظلام قصيدتي،
وأقولُ للشّعراء:
إنّ الّليلَ، لا يخشى سوى مُرِّ القصائدِ،
والدّماءَ يردّها سيْل الدّماءْ
-9-
لابدّ منْ شَجرٍ
يُغطّي عَورة الغاباتِ،
فالصّيف،
الشّتاءُ،
الرّيح،
عاصفة الشّمال،
تمزّق الأثواب، عّنْ جسد الطبيعةِ،
والحياء يغور في جوف العراءْ.
وكأنّما الأيّام
تورقُ بالشّموس،
وأنّ أسماء الضحايا،
ترسمُ اللوحاتِ،
والمنفى
يردّ
الاعتذارْ.